ج: التوبة لجميع الذنوب لا بد أن تشتمل على أمور ثلاثة كما ذكر أهل العلم، أولها : الندم على ما مضى من الذنب، يندم عليه ويحزن من فعله إياه. والأمر الثاني: الإقلاع منه وتركه خوفا من الله وتعظيما له. الأمر الثالث: العزم الصادق ألا يعود إليه. هكذا تكون التوبة، وبهذا يمحو الله الخطايا ويحط السيئات ، كما قال عز وجل: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون . وقال سبحانه: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى . وهذا يعم جميع الذنوب؛ الشرك فما دونه متى تاب إلى الله من ذلك، هذه التوبة: وهي الندم على الماضي والإقلاع منه، وتركه والعزم الصادق ألا يعود إليه خوفا من الله وتعظيما له، بهذا يعتبر تائبا، ويكون كمن لم يذنب، التائب من الذنب كمن لا ذنب له، لكن إن كان الحق الذي تاب منه يتعلق بمخلوقين فلا بد أيضا من أمر رابع: وهو رد حقهم إليهم أو استحلالهم منه. كما نص على ذلك أهل العلم وجاءت به السنة، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 19) صاحبه فحمل عليه فالواجب على من عنده حقوق للناس أن يدفعها إليهم، أو يتحللهم منها؛ حتى تتم توبته، وحتى تكمل توبته، فإن لم يفعل بقي عليه هذا الجزاء، وسوف يقتص منه يوم القيامة لصاحبه؛ إما أن يعطي من حسناته، وإما أن يحمل من سيئات المظلوم على حسب حاله، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام للناس: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال عليه الصلاة والسلام: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار نعوذ بالله، فالواجب على من عليه شيء للغير؛ من أموال أو دماء أو أعراض أن يتحللهم، وأن يطلب منهم أن يبيحوه ويسامحوه، أو يرضيهم عن ذلك بما يشاؤون، حتى يسلم من تبعة هذه المظلمة، فإن لم يفعل بقيت عليه عهدتها وتبعتها إلى يوم القيامة، وأما بقية الذنوب مثل ما تقدم يكفي فيها الندم، والإقلاع والعزم الصادق ألا يعود إليها. (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 20)