بيان آداب الصيام

س: الأخ السائل: ر. ع، يصف بعض أحوال المسلمين في رمضان خاصة، ويقول: إن البعض منهم يسهر حتى منتصف الليل، ثم يتناول الطعام وينام، فإذا ما أذن الفجر استيقظ وشرب ماء، وربما شرب شيئًا محرمًا، واتجه إلى الصلاة، والحال كذلك بالنسبة للإفطار، فهو يفطر على بعض المباحات، وقد يخلطها ببعض المحرمات. ويرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بتنبيه المسلمين على الحال الأفضل، الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم، جزاكم الله خيرًا .

ج: لا شك أن الله عز وجل لا يرضى لعباده أن يتناولوا ما حرم عليهم، بل قد حرم عليهم أشياء ونهاهم عن تناولها، وأباح لهم أشياء وأمرهم بتناولها، (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 38) فالواجب على المؤمن أن يتقي الله فيما يأتي ويذر، كما شرع له أن يتحرى الأمر المشروع في صيامه وقيامه وسائر حركاته وسكناته، فالسنة للمؤمن في هذا الشهر الكريم أن يعمره بطاعة الله، وأن يحفظ أوقاته بالمنافسة في الخير ، والمسارعة إلى الطاعات من الصلاة والصدقات، وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل، والتحميد والتكبير والاستغفار، وعيادة المريض، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو هذا من وجوه الخير، هكذا ينبغي للمؤمن أن يعمر هذه الأوقات الشريفة بطاعة الله، والمنافسة فيما يرضيه سبحانه وتعالى، والحذر مما يجرح صومه من معاصي الله؛ ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: الصيام جنة يعني: سترة فهي سترة وحرز من النار، لمن صان هذا الصيام وحفظه؛ ولهذا في اللفظ الآخر: الصيام جنة أحدكم من النار كجنته من القتال والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 39) امرؤ صائم ويقول صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه هذا يبين لنا أن المقصود حفظ الجوارح عن محارم الله؛ من الغيبة والنميمة والكذب، والأيمان الفاجرة، والدعاوى الباطلة، والسب والشتم وغير هذا من الأقوال الضالة، وهكذا الأفعال المحرمة؛ من السرقة والخيانة والزنى، وغير هذا مما حرم الله، فيصون جوارحه ليلا ونهارا عن كل ما حرم الله، فيستعملها بطاعة الله ورسوله دائما ولكن في هذا الشهر الكريم تكون العناية أكثر، والعناية بما شرع الله أكثر، ويكون الحذر مما حرم الله أكثر، ويشرع له أن يبادر بالإفطار إذا غابت الشمس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وقوله عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا والسنة أن يفطر على مباح لا على حرام، كالتمر والماء وسائر ما أباح الله، والأفضل على التمر أو الرطب إن تيسر (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 40) الرطب، فإن لم يتيسر فالتمر، فإن لم يتيسر فالماء، وليحذر كل الحذر أن يفطر على ما حرم الله؛ من المسكرات، أو التدخين ، أو القات، ليحذر ما حرم الله، فليكن فطره على ما أباح الله، وما شرع من الطعام الطيب والشراب الطيب، أما إفطاره على ما حرم الله؛ من المسكرات والمخدرات والتدخين والقات، فهذا شيء يجب الحذر منه، ولا يختم صيامه بهذه القاذورات، وهكذا في السحور، السنة أن يؤخر السحور، لا يتسحر في وسط الليل، السنة أن يتأخر في السحور؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام فإنه كان يتسحر في آخر الليل قرب الأذان عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة - في رمضان - فقال له أنس: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين أو ستين، يعني آية وفي لفظ آخر: كم كان بين السحور والصلاة؟ قال: قدر خمسين آية والمعنى بين الأذان - الذي (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 41) هو دخول وقت الصلاة - وبين السحور - يعني بين السحور عند التسحر - قدر خمسين آية، وهو ما يقارب خمس دقائق، أو عشر دقائق، وهذا يدل على أن التأخير أفضل وهو أقوى للصائم، وأنشط له على العمل في النهار، فالسنة التبكير بالإفطار بعد غروب الشمس، والتأخير في السحور، ولهذا في بعض الروايات عن سهل بن سعد رضي الله عنه: لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور وهكذا جاء مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: تسحروا فإن في السحور بركة متفق على صحته، والسحور بالضم هو التسحر، هو الأكل بآخر الليل، والسحور بالفتح هو ما يؤكل، يقال له : سحور، من تمر أو طعام آخر. ويقول صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر رواه مسلم في الصحيح، هذا يبين لنا أن الفصل بين صيام المسلمين وبين صيام اليهود والنصارى أكلة السحر، فالمعنى أن ترك ذلك (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 42) يكون فيه مشابهة لليهود والنصارى، فمن يأكل السحور في وسط الليل خالف السنة وشابه أهل الكتاب، فالمؤمن لا يليق به ذلك، بل الواجب عليه أن يتحرى ما شرعه الله، وما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام في كل شيء، وأن يبتعد عما يخالف ذلك، ثم نومه بعد ذلك قد يكون وسيلة إلى نومه عن الصلاة؛ صلاة الفجر، ثم إذا قام عند الأذان قد يأكل بعد الأذان، أو يشرب بعد الأذان فيعرض صومه للبطلان؛ لأنه قد يكون شربه بعد ما طلع الفجر؛ فيكون صومه باطلا، فالواجب أن يحذر، وأن يكون أكله قبل طلوع الفجر، ولا يتساهل في هذه الأمور، والصواب أن من أكل بعد الفجر، ثم بان له أنه أكل في النهار أنه يقضي، هذا هو المعتمد، وهذا هو الأرجح، وهكذا لو أفطر قبل غروب الشمس ، ثم عرف أنه أفطر قبل غروب الشمس عليه أن يقضي؛ لكونه أفطر جزءا من النهار من غير حق، فالحاصل ينبغي للمؤمن أن يكون تسحره ليلا؛ لكن في آخر الليل قبيل الفجر؛ حتى يكون نشيطا، يخرج إلى الصلاة ويصلي مع المسلمين وهو نشيط، ولا يعرض صومه للأكل بعد الصبح، ولا يعرض أيضا صلاته للذهاب والفوات في وقتها أو مع الجماعة ، ومع ذلك إذا أكل في آخر الليل شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم من مشابهة أهل الكتاب، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 43) س: يقول السائل: الواقع سماحة الشيخ كما ذكر أن حياة الناس تنقلب رأسا على عقب في رمضان، فيتحول الليل إلى نهار، وتبقى الأسواق عامرة بالناس حتى الفجر، وفي النهار تكاد تخلو الشوارع من المارة، وهذا يجعل الناس في حياة متغيرة تماما، حتى إذا ما انقضى رمضان مضى عليهم فترة حتى يتكيفون مع الحياة الجديدة العادية، لا بد لسماحة الشيخ من توجيه، كيف يكون الناس في رمضان حتى تبقى حياتهم مستمرة ؟ ج: السنة في رمضان وفي العشرين الأول أن ينام ويقوم، يصلي ما تيسر وينام، أما السهر فلا وجه له، فلا ينبغي السهر، ينبغي أن ينام ما تيسر حتى يتقوى بذلك على العمل في النهار، وعلى حاجاته وعلى عمل وظيفته، فلا ينبغي السهر، بل المشروع أن ينام بعض الشيء في العشرين الأول ويقوم، أما في العشر الأخيرة فالسنة فيها إحياء الليل لمن قدر بالعبادة والقراءة والصلاة، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله شد مئزره يعني: شمر إلى العبادة. هذا هو الأفضل في (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 44) العشر الأخيرة؛ إحياء الليل بالعبادة: بالقراءة ، بالصلاة، بالذكر. أما العشرون الأول فالسنة فيها أن ينام ويقوم كفعل النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا تصلح الأمور، وبهذا ينشط المؤمن على العمل في النهار، وتكون حياته شبيهة بحياته الأولى، بخلاف من سهر في الليل فإنه إذا كان في النهار سقط في الغالب؛ لأن الإنسان ضعيف يحتاج إلى النوم، كما قال الله عز وجل: وخلق الإنسان ضعيفا ، والله المستعان.


دار النشر: فتاوى نور على الدرب


كلمات دليلية: