اعتماد خبر المذياع في دخول الشهر وخروجه أولى وأقرب إلى الأدلة الشرعية من اعتماد البرقية_1

س: ما قولكم- أثابكم الله- بخبر الإذاعة هل يعتمد في الصيام والإفطار وما الذي بينهما وبين السير فيه. وإن قلتم بالتصديق فهل يشترط معرفة المحطة المذيعة للخبر أم لا؟ وهل تشترط ثقة المذيع أم يكتفى بصدورها من قبل الحكومة؟

ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فالجواب أن يقال: لا مانع من اعتماد ما يذاع في الإذاعة من إثبات دخول شهر رمضان وشهر ذي الحجة وشوال إذا كان السامع لذلك ثقة فأكثر في دخول رمضان، وثقتين فأكثر في إثبات شهر شوال، وذي الحجة، وسائر الشهور، إلحاقا لسماع الخبر من الإذاعة برؤية الهلال وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب العمل برؤية العدل الواحد لهلال رمضان والعدلين فأكثر فيما سواه، ولا ريب أن العمل بخبر الإذاعة أولى من البرق؛ لأن المخبر في الإذاعة يسمع كلامه ويفهم بخلاف البرقية فإنه لا يفهمها إلا خواص الناس الذين لهم معرفة بحروفها، فإذا جاز الاعتماد عليها والحال ما ذكر فجوازه في خبر الإذاعة أولى، لما تقدم، ولا (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 89) يشترط عدالة المذيع؛ لأن الاعتماد على صدور ذلك من الحكومة المسلمة المحكمة للشرع، إذا كان المعروف من الإذاعة والبرقية عدم الجرأة على الكذب، ومعلوم أن الحكومة سوف تعتمد ما تذيعه إلى الناس وتبرقه إلى القضاة والأمراء في سائر أنحاء المملكة، وتصوم وتفطر بذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس أخرجه الترمذي عن عائشة بإسناد حسن، وخرج الترمذي أيضا بإسناد جيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون وإذا جاز لأهل البلد أن يعتمدوا على أصوات المدافع ونحوها في الصوم والفطر؛ لكون ذلك قد جعل علامة على دخول الشهر وخروجه، فالاعتماد على خبر الإذاعة والبرق الصادر عن مصدر شرعي قد عرف بالصدق أولى، وأولى من الاعتماد على صوت المدافع ونحوه. والله أعلم. (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 90) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد : فقد سألني كثير من الإخوان عن حكم الاعتماد على الإذاعة في الصوم والإفطار، وهل هذا يوافق الحديث الصحيح صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته الحديث. وهل إذا ثبتت الرؤية بشهادة عدل في دولة مسلمة يجب على الدولة المجاورة لها الأخذ بذلك؛ وإذا قلنا بذلك فما دليله وهل يعتبر اختلاف المطالع؟ والجواب عن هذه الأسئلة أن يقال: قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين ، وفي لفظ آخر: فأكملوا العدة ثلاثين يوما وفي رواية أخرى: فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقدموا (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 91) الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على أن المعتبر في ذلك هو الرؤية أو إكمال العدة، أما الحساب فلا يعول عليه، وهذا هو الحق، وهو إجماع من أهل العلم المعتد بهم. وليس المراد من الأحاديث أن يرى كل واحد الهلال بنفسه وإنما المراد ثبوت ذلك بشهادة البينة العادلة، وقد خرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام ، وخرج أحمد وأهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابيا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ فقال: نعم. قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا . وعن (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 92) عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا رواه أحمد، ورواه النسائي ولم يقل فيه مسلمان. وعن أمير مكة الحارث بن حاطب قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما رواه أبو داود والدارقطني ، وقال: هذا إسناد متصل صحيح. فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه يكتفى برؤية هلال رمضان بالشاهد الواحد العدل، أما في الخروج من الصيام، وفي بقية الشهور فلا بد من شاهدين عدلين، جمعا بين الأحاديث الواردة في ذلك، وبهذا قال أكثر أهل العلم، وهو الحق لظهور أدلته. ومن هذا يتضح أن المراد بالرؤية هو ثبوتها بطريقها الشرعي وليس المراد أن يرى الهلال كل أحد، فإذا أذاعت الدولة المسلمة المحكمة لشريعة الله كالمملكة العربية السعودية أنه ثبت لديها رؤية هلال رمضان أو هلال شوال أو هلال ذي (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 93) الحجة فإن على جميع رعيتها أن يتبعوها في ذلك. وعلى غيرها أن يأخذ بذلك عند جمع كثير من أهل العلم؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم بلفظ: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم فاقدروا له ثلاثين وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وأخرجه مسلم بهذا اللفظ لكن قال: فإن أغمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين فإن ظاهر هذه الأحاديث وما جاء في معناها يعم جميع الأمة. ونقل النووي رحمه الله في شرح المهذب عن الإمام ابن المنذر رحمه الله: أن هذا هو قول الليث بن سعد والإمام (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 94) الشافعي والإمام أحمد رحمة الله عليهم، قال: يعني ابن المنذر : ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي يعني مالكا وأبا حنيفة رحمهم الله انتهى. قال جمع من العلماء إنما يعم حكم الرؤية إذا اتحدت المطالع، أما إذا اختلفت فلكل أهل مطلع رؤيتهم. وحكاه الإمام الترمذي رحمه الله عن أهل العلم، واحتجوا على ذلك بما خرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن كريبا قدم عليه في المدينة من الشام في آخر رمضان، فأخبره أن الهلال رؤي في الشام ليلة الجمعة، وأن معاوية والناس صاموا بذلك فقال ابن عباس : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل العدة، فقال له كريب : أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا: فهذا يدل على أن ابن عباس يرى أن الرؤية لا تعم، وأن لكل أهل بلد رؤيتهم إذا اختلفت المطالع، وقالوا: إن المطالع في منطقة المدينة غير متحدة مع المطالع في الشام ، وقال آخرون: لعله لم يعمل (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 95) برؤية أهل الشام؛ لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده، والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج، وإنما يعمل بها في الدخول. وقد عرضت هذه المسألة على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في الدورة الثانية المنعقدة في شعبان عام 1392 ه فاتفق رأيهم على أن الأرجح في هذه المسألة التوسعة في هذا الأمر وذلك بجواز الأخذ بأحد القولين على حسب ما يراه علماء البلاد. قلت: وهذا قول وسط وفيه جمع بين الأدلة وأقوال أهل العلم. إذا علم ذلك، فإن الواجب على أهل العلم في كل بلاد أن يعنوا بهذه المسألة عند دخول الشهر وخروجه وأن يتفقوا على ما هو الأقرب إلى الحق في اجتهادهم، ثم يعملوا بذلك ويبلغوه الناس، وعلى ولاة الأمر لديهم وعامة المسلمين متابعتهم في ذلك ولا ينبغي أن يختلفوا في هذا الأمر؛ لأن ذلك يسبب انقسام الناس وكثرة القيل والقال، إذا كانت الدولة غير إسلامية. أما الدول الإسلامية فإن الواجب عليها اعتماد ما قاله أهل العلم، وإلزام الناس به من صوم أو فطر، عملا بالأحاديث المذكورة وأداء للواجب، ومنعا للرعية مما حرم الله عليها. ومعلوم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأسأل الله أن (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 96) يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه والحذر مما يخالفه إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة


دار النشر: فتاوى ابن باز


كلمات دليلية: