التهاون بأداء صلاة الجماعة منكر عظيم_1

س: رجل قارب من العمر الثلاثين عامًا ويصلي في المنزل غالبًا، إلا أنه يحضر الجماعة في بعض الأوقات وفي الجمعة، ولكن لا يبدو عليه الحرص على ملازمة الجماعة ، والدته تلح عليه في لزوم الجماعة، وهناك من اقترح عليها أن تظهر غضبها عليه وألا تجالسه لعله يرجع، ولكنها تخاف عليه، وتقول: أنصحه، أريد توجيهًا مفصلاً لهذا الرجل حول أدلة وجوب الجماعة وما ينبغي للمسلم من طاعة الله وشكره على ما أنعم على الإنسان من نعم صالحة، ومن نعمة الصحة والشباب والعافية وسعة الرزق ولله الحمد، وما هو الحكم الشرعي في مجالسته ومؤاكلته والحالة هذه، ونصيحة أخرى نرجو أن تتفضلوا بتوجيه هذه الأم وتوصيتها بأي أسلوب تستعمله مع هذا الشاب لعله أن يرجع ؟

ج: لا ريب أن الصلاة جماعة مع المسلمين في بيوت الله من أهم الفرائض، وهي من شعائر الإسلام، الواجب على كل مكلف أن يعتني بها، وأن يبادر ويسارع إلى إقامة الصلاة في الجماعة مع المسلمين، وأن يتباعد عن مشابهة أهل النفاق. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 25) فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها - يعني الصلاة في الجماعة - إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل - يعني من الصحابة - يؤتى به يهادى بين الرجلين - يعني المريض أو كبير السن - حتى يقام في الصف ) من شدة حرصهم على أداء الصلاة مع الجماعة. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر قيل لابن عباس رضي الله عنه: ما هو العذر؟ قال: ( خوف أو مرض ). وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل أعمى وقال: يا رسول الله ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء إلى الصلاة فقال: نعم، قال: فأجب رواه مسلم في صحيحه . (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 26) وفي رواية أخرى عند غير الإمام مسلم : لا أجد لك رخصة . وقد هم صلى الله عليه وسلم أن يحرق على المتخلفين بيوتهم كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر برجل فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجال لا يشهدون الصلاة - يعني في المساجد - فأحرق عليهم بيوتهم . هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وفي رواية الإمام أحمد : لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم . والمقصود أن الصلاة في الجماعة في بيوت الله - وهي المساجد - أمر مفترض وأمر لازم، ومن شعار المسلمين، ومن شعار أهل الحق، والتخلف عن ذلك في البيوت من شعار المنافقين، فلا ينبغي للمسلم أن يرضى بمشابهة أهل النفاق الذين قال الله فيهم سبحانه: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 27) ذكرهم سبحانه بخمس صفات للمنافقين: إحداها: أنهم يخادعون الله والذين آمنوا، فليس عندهم نصيحة ولا أمانة، بل عندهم مكر وخديعة وكيد للمسلمين في معاملاتهم. والثانية: أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، فليس عندهم نشاط لعدم إيمانهم إنما هو رياء. والثالثة: أنهم لا يذكرون الله إلا قليلا، فذكرهم لله قليل تعرف فيهم الغفلة. والرابعة: أنهم أهل رياء يراءون الناس بأعمالهم ليس عندهم إخلاص لله في ذلك وإنما قصدهم في أعمالهم الرياء والسمعة وطلب المحمدة وليس عندهم إخلاص لله سبحانه وتعالى. والخامسة: أنهم مذبذبون ليس عندهم ثبات وليس عندهم هدف مستقيم، بل هم تارة مع المؤمنين وتارة مع الكافرين، ليس عندهم قاعدة ولا دين ثابت ولا إيمان صادق، بل إن ظهر المؤمنون ونصروا صاروا مع المؤمنين، وإن ظهر الكفار على المسلمين صاروا مع الكفار. هذا هو حال المنافقين فكيف يرضى المؤمن أن يتشبه بهم في التخلف عن الصلاة في الجماعة. والوالدة التي نصحت ولدها في أن يصلي مع الجماعة قد أحسنت وهذا هو الواجب عليها، والواجب عليها أيضا أن تستمر في ذلك، وأن تنصحه دائما وتهجره إذا امتنع ولم يمتثل (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 28) وتستعين عليه بالله ثم بمن ترى من أقاربه كأبيه أو أخيه الكبير أو عمه ونحو ذلك إذا كان له أقارب صالحون تستعين بالله ثم بهم. والخلاصة: أن من يعرف بالتخلف عن الجماعة يستحق الهجر ويستحق التأديب من ولاة الأمر حتى يستقيم، وحتى يحافظ على صلاة الجماعة. ومن المعلوم أن التخلف عن الصلاة في الجماعة من أعظم الأسباب لتركها بالكلية - أعوذ بالله - لأن هذا المرض في القلب الذي أوجب له التخلف سيجره في الغالب إلى الترك وعدم المبالاة فتارة يصلي وتارة لا يصلي، وهذا يحمله على الرياء إن رأى من يستحي منهم صلى وإن خلا له الجو ترك، وهذه حال المنافقين - والعياذ بالله - فالواجب الحذر، والواجب على الوالدة وعلى أقارب الرجل وعلى أصدقائه أن ينصحوه وأن يعينوا والدته عليه، وأن يهجروه إذا استمر في باطله وتخلفه. نسأل الله الهداية للجميع.


دار النشر: فتاوى ابن باز


كلمات دليلية: