حكم تأخير الوتر لمن علم من نفسه أنه يقوم آخر الليل_17

س : أديت صلاة العشاء وكذلك الوتر ، ثم نمت وقمت بعد منتصف الليل ، فهل تجوز الصلاة التي هي قيام الليل بعد الوتر ؟

ج : السنة للمؤمن أن يتحرى الوقت الذي يستطيعه للتهجد بالليل ، إن كان لا يستطيع القيام من آخر الليل قدم ، وإن كان يستطيع القيام من آخر الليل أخر تهجده إلى آخر الليل ؛ لأن هذا أفضل وقت ، فيه التنزل الإلهي ، الذي جاء فيه الحديث الصحيح المستفيض عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له هذا الوقت وقت عظيم ، فيه نزول الرب عز وجل ، نزول يليق بجلاله سبحانه وتعالى ، وفيه أنه يقول : هل من داع فأستجيب له ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ هل من (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 165) مستغفر فأغفر له ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هذا فضل عظيم ، ينبغي تحري هذا الوقت الذي هو آخر الليل الثلث الأخير ؛ لهذا الحديث الصحيح في النزول ، وهذا النزول وصف لربنا عز وجل كما يليق به سبحانه وتعالى ، لا يكيف ولا يمثل ، بل يقال في هذا : نزول يليق بجلاله لا يشابهه أحد من خلقه سبحانه وتعالى كسائر الصفات . كما نقول : استوى على العرش استواء يليق بجلاله ، لا يشبه بخلقه سبحانه وتعالى ، وكما نقول : إن علمه يليق بجلاله ورحمته . وهكذا وجهه ، وهكذا يده ، وهكذا سائر الصفات ، كلها حق ، وكلها ثابتة لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق بالله جل وعلا ، كما قال سبحانه : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، أثبت لنفسه السمع والبصر ، ونفى عن نفسه المماثلة سبحانه وتعالى ، وهذا هو الحق الذي درج عليه أهل السنة والجماعة ، وهو إثبات جميع الصفات والأسماء الواردة في الكتاب العزيز ، أو السنة الصحيحة المطهرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، نثبتها إثباتا بلا تمثيل ، وننزهها عن التعطيل ، ونقول : إنه يجب إثبات صفات الرب وأسمائه من النزول والاستواء (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 166) والرحمة والغضب ، والوجه واليد والأصابع وغير ذلك ، نثبتها لله كما جاءت في النصوص إثباتا بلا تمثيل ، وننزه صفاته عن مشابهة خلقه تنزيها بريئا من التعطيل ، هكذا يقول أهل السنة والجماعة ، فالنزول من ذلك الباب ، نزول الرب في آخر الليل من هذا الباب ، نثبته لله على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى ، مع العلم بعلوه فوق العرش جل وعلا ، فإن صفاته لا تشابه صفات خلقه ، فلا يتنافى النزول في حقه مع علوه فوق العرش سبحانه وتعالى ، وهذا في حقه عز وجل ، فإنه نزول لا يعلم كنهه وكيفيته إلا الله سبحانه وتعالى ، فهو نزول يليق بالله ، فيه هذا الخير العظيم ، فيه أنه سبحانه وتعالى يقول : هل من تائب فيتاب عليه ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ هذا فضل عظيم ، ينبغي في هذا الوقت الإكثار من الدعاء في آخر الليل مع الصلاة ، مع القراءة ، هكذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام ، أما إن كان لا يستطيع ذلك ، ويخشى أن ينام فإنه يوتر في أول الليل ، يصلي ما تيسر في أول الليل ، يوتر بثلاث ، بخمس ، بسبع ، بأكثر أو بواحدة على الأقل لا بأس ، يكفي واحدة بعد سنة العشاء ، إذا صلى العشاء وصلى الراتبة ثنتين ، وأوتر بواحدة كفى ، وإن أوتر بثلاث فهو أفضل ، وإن أوتر بأكثر (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 167) فهو أفضل ، ثم إذا قام من آخر الليل ، أو في أثناء الليل ، وأحب أن يتهجد فلا بأس ، إذا قام من آخر الليل وأحب أن يصلي ركعتين أو أربع ركعات ، أو أكثر بلا وتر فلا بأس ، الوتر لا يعيده ، النبي عليه السلام قال : لا وتران في ليلة لكن يصلي ما تيسر في أثناء الليل ، أو في آخر الليل شفعا ؛ ثنتين ، أربعا ، ستا ، ثمانيا من دون وتر ، الوتر الأول يكفي ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : أنه كان يصلي بعض الأحيان ركعتين بعد الوتر وهو جالس ؛ وهذا - والله أعلم - ليبين للناس أن الصلاة بعد الوتر جائزة غير محرمة ، وإنما الأفضل أن يكون الوتر هو آخر الصلاة أن يختم صلاته بالوتر ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا فالأفضل أن يختم بالوتر ، لكن لو قدر أنه أوتر ثم تيسر له نشاط ، وقام في آخر الليل فلا بأس بذلك ، يصلي ما تيسر ركعتين أو أربع ركعات ، ولا حرج في ذلك ، والحمد لله .


دار النشر: فتاوى نور على الدرب


كلمات دليلية: