ج : الصلاة في المساجد التي فيها القبور لا تجوز ، بل هي باطلة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لعنة الله على اليهود والنصارى ؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد متفق على صحته ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قاله في مرض موته عليه الصلاة والسلام في آخر (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 366) حياته . وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك أخرجه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ، فلا يجوز للمسلم أن يقيم مسجدا على قبر ، أو يدفن في المساجد ، أو يصلي في المساجد التي فيها القبور . بل يجب التواصي بترك ذلك والتناصح ، ويجب على ولاة الأمور في أي بلد إسلامي ، يجب على ولاة الأمور أن يمنعوا ذلك ، فلا يدفن في المساجد أموات ، ولا تبن المساجد على القبور ، لا هذا ولا هذا ، يجب أن تكون المقابر على حدة ، والمساجد على حدة ، ولا يقبر فيها ، لا من يسمى وليا ولا غيره ، والولي هو المؤمن ، ولي الله هو المؤمن ، فلا يدفن فيها لا مسلم ولا غيره ، بل تكون المساجد خالية من القبور ، وهذا هو الواجب الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم ، والعلة في ذلك والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم ؛ أن وجود القبور في المساجد من وسائل عبادتها من دون الله ، إذا بنيت المساجد على القبور كان هذا من وسائل الغلو في الميت ، ودعائه من دون الله ، والتبرك بقبره ، وطلبه الشفاعة ، وطلبه الغوث والمدد ؛ فلهذا حرم الله بناء (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 367) المساجد على القبور ، وحرم الله الدفن في المساجد سدا لذريعة الشرك ، وحسما لمادة الشرك ، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بما يوجد في بعض الأمصار وبعض الدول الإسلامية ؛ من وجود القبور في المساجد ، لا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك ، هذا غلط ، والغلط لا يقتدى به ، والواجب على حكام المسلمين في كل مكان أن يزيلوا هذا الأمر ؛ لا في الشام ولا في مصر ولا في العراق ولا في غيره ، الواجب على حكام المسلمين أن ينزهوا المساجد من القبور ، وأن تكون المساجد خالية من القبور ، وإذا كان فيها قبر ينقل إلى المقبرة العامة ، وإذا كان المسجد بني عليه والقبر هو السابق يهدم المسجد ، وتبقى القبور خالية ليس فيها مساجد . فالحاصل أنه إذا كان القبر هو الأول يهدم المسجد وتبقى الأرض للقبور ، وإن كان المسجد هو الأول ودفن فيه ينبش القبر وينقل إلى المقبرة ، ولا يصلى في المساجد التي فيها القبور ، هذا بدعة ولا يجوز ، والصلاة باطلة ، أما إن كانت الصلاة للميت ؛ أنه يصلي للميت ، ويتقرب إليه بالصلاة ، أو بالسجود كان شركا أكبر ، كانت المصيبة أعظم ، وهكذا لو طلبه المدد ؛ كأن يقول : يا سيدي المدد المدد . أو : يا ولي الله المدد المدد . أو : يا سيدي البدوي المدد المدد . أو : يا حسين المدد المدد . أو : يا شيخ عبد القادر المدد المدد . أو : أغثني . أو : انصرني . كل هذا من الشرك (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 368) الأكبر . قال الله عز وجل ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون . وقال سبحانه : ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون . وقال عز وجل : والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير (13) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير . سبحانه وتعالى ، فسمى دعاءهم لغير الله شركا . قال : ويوم القيامة يكفرون بشرككم . فسمى دعوتهم للأموات واستغاثتهم بالأموات شركا به سبحانه وتعالى ، وسماه في الآية الأخرى كفرا ، قال : ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون . الآية من سورة المؤمنون . وقال جل وعلا : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ، وقال سبحانه : ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ، وقال عليه الصلاة (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 369) والسلام : الدعاء هو العبادة وقال لابن عباس : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذا الشرك ، والتحذير منه والتواصي بالحق والتواصي بالصبر . والواجب على العلماء في كل مكان أن يبينوا للناس هذا الأمر ، وأن يرشدوهم إلى توحيد الله والإخلاص له ، وأن يعلموهم أنواع الشرك حتى يحذروها ، والواجب على الحكام أن يزيلوا آثار الشرك ، وأن يزيلوا القبور من المساجد التي فيها القبور إذا كانت القبور حادثة ، فإن كانت المساجد بنيت على القبور فالواجب أن تزال المساجد وأن تهدم ، وأن تبقى القبور على حالها مقبرة ليس عليها مساجد ، وهنا أمر قد يغتر به بعض الناس ، وهو وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه في المسجد النبوي ، فيقولون : هذا قبر النبي في المسجد . وهذا غلط ؛ لأن الرسول لم يدفن في المسجد ، دفن في بيت عائشة رضي الله عنها ، وهكذا صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما دفنا معه في بيت عائشة رضي الله عنها ، ولم يدفنوا في المسجد ، ولكن الوليد بن عبد الملك لما وسع المسجد في (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 370) آخر المائة الأولى أدخل القبر في المسجد من أجل التوسعة ، وهذا غلط منه ، فلا ينبغي أن يغتر بذلك ، فالرسول صلى الله عليه وسلم وصاحباه لم يدفنوا في المسجد ، بل دفنوا في بيت عائشة ، النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة على القبور ، وقال : لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها ولعن المتخذين المساجد على القبور ، فالمعول على تشريعه وأمره ونهيه عليه الصلاة والسلام ، أما عمل الناس إذا غلطوا ؛ إذا غلط الوليد أو غير الوليد فلا يعول عليه ، فينبغي التنبيه في هذا الأمر ، وينبغي لأهل العلم أن ينبهوا من حولهم من الناس على هذا الأمر ؛ حتى تعم الفائدة ، وحتى يتبصر المسلم ، وحتى يعلم الحقيقة ، فلا يقع في الشرك وهو لا يشعر ، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق .