تعريف البدع وبيان حكمها

س : سائل من ليبيا له سؤال طويل عن البدع ؛ البدع الحسنة وغير الحسنة ، يقول فيه : هل توجد بدع حسنة وبدع سيئة ؟ مع أن بعض البدع لا بأس به ، ولا تمس جوهر الدين في شيء . وهل لأصحاب المذاهب آراء في ظهور البدع ؟ وهل منهم من أجاز البعض منها ؟ لأننا عندما نتحدث إلى شخص ، ونحاول إقناعه بأن بعض الذي يعمله بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، فيقول : هذه لا بأس بها ؛ لأنها لا تضر بالدين . مع العلم أن هناك من يرى الدعاء بعد الصلاة بالمصلين وهو (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 92)  إمام ، وكاد بعض المصلين أن يؤذيه ؛ لأنه ترك الدعاء بهم ، هذا إلى جانب تفشي كثير من البدع ، أرجو توضيح هذه المسألة جزاكم الله خيرا ، ووفقكم لأداء رسالتكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ج : البدع ليس فيها حسنة ، كلها ضلالة ، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : وكل بدعة ضلالة هذا كلام عظيم وقاعدة كلية عظيمة ، قالها النبي صلى الله عليه وسلم ، والبدع هي التي يحدثها الناس في الدين ، عبادات ما شرعها الله يقال لها : بدعة . مثل : إحداث شيء ما شرعه الله في الصلاة ؛ من رفع اليدين بين السجدتين ، أو في آخر الصلاة ، أو بعد السلام من الفريضة . هذه بدعة ما شرعها الله جل وعلا . مثل : إحداث الاحتفالات بالموالد ، هذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان . مثل : إحداث البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، هذه من البدع أيضا ، وما أشبه ذلك مما أحدثه الناس . والقاعدة أن كل ما أحدثه الناس في الدين ، وسموه طاعة وقربة ، وليس له أصل في الشرع يسمى بدعة . أما ما يظن بعض الناس أنه بدعة حسنة ، وليس كذلك فهذا ليس من البدع ، مثل : بناء المساجد بالأسمنت ، هذا شيء جديد ولا يسمى (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 93) بدعة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد ، سواء كانت بالطين أو باللبن أو بالحجر أو بالخشب أو بالأسمنت ، كله ما يسمى بدعة ، مثل : المدارس المبنية والربط هذه ما تسمى بدعة ضلالة ، وإن سماها الناس بدعة من جهة اللغة ، من جهة أنها لم تكن - سابقة غير موجودة - لكن الرسول أمر بما ينفع الناس ، أمر بالتعليم وأمر بتعمير المساجد ، فإذا عمر الناس مسجدا بالأسمنت ، أو عمر الناس مدرسة أو رباطا للفقراء أو للمهاجرين أو للغرباء فلا بأس ، كل هذا ما يسمى بدعة سيئة ، هذه من الأمور الشرعية ؛ لأن نفع المسلمين والإحسان إليهم امتثال لأمر الله عز وجل ؛ في الأمر بنفع المسلمين والإحسان إلى الفقراء وتعليم الجاهل ، سواء كان يعلم في المسجد ، أو يعلم في مدرسة ، ليس هذا من البدع التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن سميت بدعة من حيث اللغة ، كما قال عمر رضي الله عنه في التراويح : " نعمت البدعة هذه " ، يعني من حيث اللغة ؛ لأنه رتبهم على إمام واحد في كل ليلة ، فسماها بدعة من حيث اللغة ؛ لأنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون أوزاعا ، كل جماعة وحدهم ، صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال ثم تركهم ، (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 94) وقال : إني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل أو قال : إني أخاف أن تفرض صلاة الليل . فترك ذلك خوفا على الأمة من أن يفرض عليهم صلاة الليل ، فلما كان في زمن عمر جمع الناس على إمام واحد يصلي بهم التراويح ، وقال : نعم البدعة يعني من حيث اللغة ، وإلا فهي سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، ورغب فيها عليه الصلاة والسلام . فهكذا الربط والمدارس التي يفعلها الناس للتعليم ، وهكذا ما يسمى بالمعاهد ، وهكذا ما يسمى بالمجامع للناس لتحفيظهم القرآن ، أو ما أشبه ذلك على اختلاف الأسماء ، أو خلوات على حسب اختلاف الناس في الأسماء ، كل ذلك مما ينفع الناس وليس من البدع ، بل هو من باب التعاون على البر والتقوى ، ومن باب الحرص على تعليم الناس الخير ، وجمعهم في أماكن تحفظهم وتحفظ أدوات التعليم ، وليس هذا من باب البدع . أما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 95) وأجر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء فهذا معناه إظهار السنن ، يعني إظهار العبادة التي خفيت وجهلها الناس ، فالذي يظهرها للناس ويسنها للناس له أجر عظيم ؛ لأنه أحيا السنن ، وليس معناه أنه يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله ؛ لأن الله ذم من فعل ذلك ، فقال : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، وقال عليه الصلاة والسلام : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد فالإحداث منكر ، ولكن إحياء السنن وإظهارها بين الناس عند خفائها ، وعند جهل الناس بها هذه هي السنة في الإسلام ، وهو معنى : من سن في الإسلام ويدل على هذا أن الحديث سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرض على الصدقة ، وحث الناس على الصدقة جاء إنسان بصرة في يده كادت كفه تعجز عنها فقدمها ، فلما رأوه الناس (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 96) تتابعوا وجاءوا بالصدقات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : من سن في الإسلام سنة حسنة ، يعني أظهر الصدقة وجاء بالمال ، فتتابع الناس واقتدوا به في ذلك .


دار النشر: فتاوى نور على الدرب


كلمات دليلية: