حكم من أدرك الإمام وهو راكع

س 1: ما قولكم فيمن أدرك الإمام راكعًا ودخل معه في الركوع هل يعتد بتلك الركعة أم لا؟

ج 1 : قد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين: أحدهما: لا يعتد بهذه الركعة؛ لأن قراءة الفاتحة فرض ولم يأت بها، روي هذا القول عن أبي هريرة ، ورجحه البخاري في كتابه جزء القراءة وحكاه عن كل من يرى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، كذا في عون المعبود، وقد حكى هذا القول عن ابن خزيمة وجماعة من الشافعية ، ورجحه الشوكاني في النيل وبسط أدلته. (الجزء رقم : 29، الصفحة رقم: 277) والقول الثاني: يعتد بها، حكاه الحافظ ابن عبد البر عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم، وحكاه أيضا عن جماهير أهل العلم، منهم: الأئمة الأربعة والأوزاعي والثوري وإسحاق وأبو ثور ، ورجحه الشوكاني في رسالة مستقلة نقلها عنه صاحب عون المعبود، وهذا القول أرجح عندي؛ لحديث أبي بكرة الذي في البخاري فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء الركعة، ولو كان ذلك واجبا عليه لأمره به؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، وقوله في الحديث: زادك الله حرصا ولا تعد يعني لا تعد إلى الركوع دون الصف؛ لأن المسلم مأمور بالدخول مع الإمام في الصلاة على أي حال يجده عليها، ومن أدلة الجمهور أيضا على ذلك ما رواه أبو داود وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة وفي لفظ لابن خزيمة والدارقطني والبيهقي : ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم (الجزء رقم : 29، الصفحة رقم: 278) الإمام صلبه فهذا الحديث نص واضح الدلالة؛ لقول الجمهور من وجوه. أحدها: قوله في السجود: " ولا تعدوها شيئا " فإنه يفهم منه أن من أدرك الركوع يعتد به. الثاني: أن لفظ الركعة إذا ذكر مع السجود يراد به الركوع، كما جاء ذلك في أحاديث، منها حديث البراء : رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته ... الحديث، ومنها أحاديث الكسوف وقول الصحابة فيها: صلى النبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات في أربع سجدات ؛ يعنون أربع ركوعات. الوجه الثالث: قوله في رواية ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي : قبل أن يقيم صلبه نص واضح في أنه أراد بالركعة الركوع، وحديث أبي هريرة المذكور قد جاء من طريقين يشد أحدهما الآخر، وتقوم بمثلهما الحجة على ما قد تقرر في مصطلح الحديث، ويعتضد بعمل من ذكر أعلاه من الصحابة بما دل عليه. وقال النووي رحمه الله في شرح المهذب صفحة 215 (الجزء رقم : 29، الصفحة رقم: 279) جلد 4 بعد كلام سبق ما نصه: ( وهذا الذي ذكرناه من إدراك الركعة بإدراك الركوع هو الصواب الذي نص عليه الشافعي ، وقاله جماهير الأصحاب وجماهير العلماء، وتظاهرت به الأحاديث وأطبق عليه الناس، وفيه وجه ضعيف مزيف أنه لا يدرك الركعة، حكاه صاحب التتمة عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة من أكبر أصحابنا الفقهاء المحدثين، وحكاه الرافعي عنها وعن أبي بكر الصيغي من أصحابنا، وقال صاحب التتمة: هذا ليس بصحيح؛ لأن أهل الأعصار اتفقوا على الإدراك به، فخلاف من بعدهم لا يعتد به) انتهى كلامه . وقد حكى الحافظ ابن حجر في التلخيص عن ابن خزيمة ما يدل على موافقته للجمهور على أن الركعة تدرك بإدراك الركوع. والله أعلم. س 2: إذا نسي المأموم قراءة الفاتحة ما حكمه؟ ج 2: ذكر النووي رحمه الله: أن في أصل المسألة للعلماء قولين: أحدهما: أن حكم من نسي الفاتحة حكم من نسي غيرها من الأركان إن ذكر في الركوع أو ما بعده قبل أن يقوم إلى الثانية لزمه أن يرجع فيأتي بالفاتحة وما بعدها، وإن ذكر بعد (الجزء رقم : 29، الصفحة رقم: 280) قيامه للثانية لغت التي لم يقرأ فيها الفاتحة وقامت الثانية مقامها، وإن لم يذكر إلا بعد السلام والفصل قريب عاد إلى الصلاة وأتى بركعة عوض الركعة التي ترك الفاتحة منها، وسجد للسهو إن كان مسبوقا، وإن لم يكن مسبوقا فلا سجود عليه للسهو، بل يتحمله عنه الإمام، فإن طال الفصل قبل أن يذكر لزمه استئناف الصلاة، وذكر النووي أن هذا القول هو الجديد عن الشافعي ، وأنه الأصح باتفاق الأصحاب، إلا أنه جزم بأنه يسجد للسهو، ولم يفصل، والصواب التفصيل كما تقدم. والقول الثاني: أن من ترك قراءة الفاتحة ناسيا حتى ركع أو سلم سقطت عنه القراءة وتمت صلاته حكاه النووي عن جماعة من الشافعية ، وهذا القول أرجح عندي في حق المأموم خاصة، والقول الأول أرجح في حق الإمام والمنفرد. ووجه ذلك أن المأموم مأمور بمتابعة إمامه والاقتداء به في الركوع وغيره من أفعال الصلاة، فإذا ركع إمامه لزمه أن يتابعه في الركوع، وإن كان قد نسي قراءة الفاتحة لم يجز له أن يقف ليقرأها وإمامه راكع؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: وإذا ركع فاركعوا والفاء (الجزء رقم : 29، الصفحة رقم: 281) للترتيب باتصال، وظاهر الحديث يعم من ترك الفاتحة ناسيا وغيره، وإنما أوجبنا على المأموم قراءة الفاتحة؛ لعموم النصوص الدالة على وجوبها، فإذا نسيها حتى ركع إمامه سقطت عنه؛ لعذر النسيان ووجوب المتابعة، والجاهل وجوب قراءة الفاتحة على المأموم حكمه حكم الناسي فيما يظهر لي سواء كان مقلدا لمن لم ير وجوبها؛ لعدم ظهور الحجة عنده على ذلك، أو مجتهدا لم ير وجوبها؛ لأن كلا منهما معذور إما بعذر الجهل، أو بعذر النسيان فحالهما تشبه حال من أدرك الإمام راكعا، وقد تقدم أنه تجزئه الركعة وتسقط عنه القراءة، بل الجاهل والناسي هنا أولى بأن تجزئهما الركعة؛ لأن من أدرك الإمام راكعا قد فاتته القراءة والقيام لها، والجاهل والناسي هنا لم يفتهما إلا القراءة فقط والله أعلم. وأما سجود السهو في حق الناسي هنا فعلى التفصيل السابق في القول الأول، وأما الجاهل فلا سجود عليه مطلقا.


دار النشر: فتاوى ابن باز


كلمات دليلية: