ج: حجه صحيح، أما سؤاله الناس ففيه تفصيل: إن كان سأل الناس عن حاجة وعن مسكنة وصدق فلا حرج عليه والحمد لله، أما إن كان سألهم تكثيرا وعن غير صدق فهو آثم، وعليه التوبة إلى الله من ذلك، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه سأله قبيصة أن يساعده، فقال له صلى الله عليه وسلم: اجلس حتى تأتينا صدقة بني (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 27) فلان، فنأمر لك بها ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة؛ فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله؛ فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة؛ حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه يقولون: لقد أصابت فلانا الفاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتا هذا يدل على أن المسألة إذا كانت بغير الأوجه الثلاثة تكون محرمة، من هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم، أنه قال عليه الصلاة والسلام: من سأل الناس أموالهم تكثيرا فإنما يسأل جمرا، فليستقلل أو ليستكثر هذا وعيد عظيم، فالإنسان إذا كانت له واحدة من هذه المسائل فلا بأس أن يسأل: إما أن يكون تحمل حمالة، وإما أن يكون أصابته جائحة، وإما أن يكون أصابته فاقة. فالحمالة معناها: أنه يتحمل دينا لحاجة أولاده وعائلته، أو (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 28) يتحملها للإصلاح بين الناس. فإنه يعطى من الزكاة ما يسد هذه الحمالة، وله أن يسأل إذا كان عاجزا؛ حتى تسد هذه الحمالة، وظاهر النص ولو لم يكن عاجزا، إذا كانت الحمالة في مصلحة المسلمين لا لحاجته هو، أما إذا كان لحاجته وأغناه الله فلا حاجة إلى أن يسأل، لكن إذا كان تحمل حمالة لمصلحة المسلمين فهذا يعطى ولو كان غنيا؛ لأن قبيصة تحمل حمالة للإصلاح، فإذا تحمل إنسان مالا ليصلح بين قبيلتين، أو بين أهل قريتين أو نحو ذلك فهو مشكور، وقد عمل عملا طيبا، فينبغي أن يساعد من الزكاة؛ حتى لا يكسل الكبار والرؤساء والأعيان عن الإصلاح، فيعطى من الزكاة تلك الحمالة؛ شكرا له على عمله الطيب، وتشجيعا له ولأمثاله على العودة إلى مثل ذلك، من الزكاة أو من بيت المال. الثاني: من أصابته جائحة؛ الجائحة اجتاحت ماله، مثل سيل أو حريق أو ما أشبه ذلك؛ مما يزول معه المال، فهذا يعطى من الزكاة أو غيرها ما يحصل به السداد؛ يعني سداد حاله قوام حاله، السداد بالكسر، والقوام ما يسد الحاجة؛ يعني يعطى من بيت المال أو من الزكاة ما يسد الحاجة؛ حتى يلتمس له عملا، حتى يلتمس له سببا يقوم بحاله. الثالث: الذي كان في خير ثم أصابته فاقة؛ يعني أصابته حاجة (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 29) شديدة، إما بكساد البضاعة التي يتسبب بها، أو لأسباب أخرى أصابته الفاقة غير الجائحة، أصابته فاقة لأسباب كثيرة: إما رخص الأسعار، وإما مرضه وعجزه عن العمل، وإما غير ذلك، هذا يعطى سدادا من عيش، يعطى من الزكاة وغيرها ما يقوم بحاله ويسد حاجته شهريا أو سنويا، فيستغني بذلك عن السؤال.