صلاة الاستخارة .. سعادة ابن آدم في ركعتين ودعاء!

صلاة الاستخارة .. سعادة ابن آدم في ركعتين ودعاء!
12966
جعل الله الإنسان مخيرًا فيما يفعله من خير أو شر، ولهذا نُحاسب يوم الدين عما قدمناه؛ لكننا نلاقي في حياتنا اليومية مئات القرارات الصعبة كالزواج وشراء سيارة واتخاذ مسكن أو تولي وظيفة وما شابه، ومن رحمة الله أن جعل في سنة الاستخارة مفتاحا لكل خير بعيدا عن الحيرة المؤلمة والعواقب المهلكة ؛ فكيف نفعلها؟!

 


يجب أن نعلم أولا أن اختيارات كلٍ منا محكومة بما يعلمه، والعلم البشري بطبيعته قاصر جدًا، لقول الله عن الإنسان: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }[الأحزاب: 72]


ولهذا كان أكمل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يفزع إلى ربه طالبا حكمته في كل أمر يحيره، صغيرا أم كبيرا، وكان دعاء الاستخارة الذي علمنا إياه هو مصداق التوكل على الله وحده والرضا بقضائه.


وقد كان رسول الله يقول لأصحابه : «من سعادة ابن آدم استخارته الله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله، ومن شَقوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سُخطه بما قضى الله عزّ وجلّ »[رواه الترمذي]


وصحّ برواية جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه « كان يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن»[رواه البخاري 6382] (أي كما كان يعلمهم سور القرآن التي تتنزل وحيا عليه).

دعاء وصلاة الاستخارة

الاستخارة تعني الانتقاء، واستخارة الله: طلب الخيرة من الله في أمر مباح، بمعنى اختيار ما فيه مصلحة العبد والتعجيل فيه والمباركة. [الموسوعة الفقهية الكويتية 2/698]


وصلاة الاستخارة سنة، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم « إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُلْ : اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم فإن كنتَُ تَعلَمُ هذا الأمرَ - ثم تُسمِّيه بعينِه - خيرًا لي في عاجلِ أمري وآجلِه - قال : أو في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري - فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهم وإن كنتَُ تَعلَمُ أنه شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري - أو قال : في عاجلِ أمري وآجلِه - فاصرِفْني عنه، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان ثم رَضِّني به، ويسمي حاجته». [رواه البخاري 6382]


مفهوم الاستخارة في السنة

هناك العديد من الأمور التي استنبطها العلماء عن صفات صلاة الاستخارة طبقا للحديث النبوي السابق، ومنها:

 -الاستخارة في كل الأمور، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع" [رواه ابن حبان 895]

- "فليركع ركعتين .. من غير الفريضة " فيه إظهار كونها صلاة نافلة ودل ذلك أيضا على جواز اتخاذ سنن الصلوات للاستخارة لمن لم يتسع له تخصيص ركعتين، شريطة أن ينوي ذلك.

- جاءت الصلاة مقدمة على الدعاء لحصول الخير، ويقول الإمام ابن أبي جمرة : الحكمة في تقديم الصلاة أنك تحتاج إلى قرع باب المَلِك , ولا شيء لذلك أنجح من الصلاة .

-صيغ الرجاء المنوعة؛ "أستخيرك" تؤكد الإلحاح في الطلب من الله. والباء في "بعلمك" أي بسبب علمك وقدرتك ويحتمل أن تكون أيضا باء التوسل إلى الله بـأسمائه وصفاته.

- جاء الدين مقدما على الدنيا في الدعاء "في ديني ومعاشي"وهي من تربية النبي للمؤمنين.

- يحتاج المؤمن دوما إلى تقدير الله للخير، وتيسيره، ومباركته للاستفادة منه، والعكس مع الشر فإن رجاء العبد في صرف الشر عن نفسه، وصرف نفسه وهواه عنه، وأن يعوضه ربه بخير منه ويرضه به، وهو منتهى الرحمة والكرم.

- ويقول ابن حجر: "واصرفني عنه": أي حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه متعلقا به . [فتح الباري 11/184و190]


لا تنس استشارة الصالحين

علمنا دين الإسلام أن نستشير الصالحين في كل أمر نرتاب فيه، وفي حال صلاة الاستخارة يجب أن يتم ذلك بعد طلب اختيار الله بالدعاء والصلاة، ورجح الشيخ ابن عثيمين ذلك لقول النبي «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ …إلى أخره»، وقال الشيخ أن العبد عليه تكرار الاستخارة ثلاث مرات إن لم يتبين له طريق الرشد، وعليه بعد ذلك استشارة الصالحين.

لكن الإمام النووي رأى أنه يستحب أيضا مشاورة أهل الرأي قبل استخارة الله، فإن ظهر للعبد أنها مصلحة، استخار الله في ذلك.

يقول الله للنبي: { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]

وقال قتادة: "ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم".
 

أهمية الاستخارة

الاستخارة دعاء من أوله إلى آخره. وليس الدعاء قاصرا على أوقات الشدة والأزمات، وإنما هو دائم لطلب الخير [بحوث شرعية في المسائل المالكية لأحمد كافي 293]


وقد طلب الله عز وجل من عباده أن يدعوه ويسألوه { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]


وبالاستخارة يتحقق لك خيري الدنيا والآخرة، فأنت تسلم لأمر الله وتلجأ إلى قوته وقدرته، وتخرج عن علمك وقدرتك المحدودين.


كيف تكون الاستخارة مقبولة؟

حدد العلماء ضوابط عديدة للاستخارة المقبولة، ومنها:

الحياد: ينبغي أولا أن يكون المستخير خالي الذهن، غير عازم على أمر بعينه، مما يسأل ربه عنه، [فتوى محمد صالح المنجد 11981] لقول النبي «إذا هم أحدكم» أي أن الاستخارة تكون عند أول ما يرد على القلب، وليس عندما يطيل العبد التفكير وتقوى عزيمته في اتجاه بعينه.

توجه بنيتك في الصلاة واطلب من الله تعالى وحده أن يعينك على اختيار الصواب وأنت موقن بقدرته .

خذ بالأسباب واستعن برأي الصالحين في مسألتك أيضا من باب الأمر بالشورى الذي علمنا النبي إياه.

استخر ربك فيما هو حلال ومباح، لا مكروه ولا حرام .

كرر الاستخارة من باب الإلحاح على الله في استجابة الدعاء وحصول الخير.

قضاء الحاجة مرتبط بطاعة الله وترك ما نهى عنه، لقول الله{ فَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } [الطلاق: 2] كما أنه مرتبط بالسعي لقضاء حوائج العباد فمن كان في عون الناس كان الله في عونه.

الالتزام بشروط وآداب الدعاء وأهمها الخشوع والإخلاص والبعد عن الحرام

وبهذا يتحقق قول الله:{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر: 60

اقبل بقضاء الله الذي سيتوجه إليه بدنك وينشرح له صدرك .
 

كيف تصلي الاستخارة؟

-الوضوء واستحضارة النية والخشوع.

- صلاة ركعتين بغير الفريضة؛ ومن الأفضل تخصيصها مستقلة للاستخارة.

( استحسن بعض السلف أن يزيد العبد في صلاة الاستخارة على القراءة بعد الفاتحة بقوله تعالى: { وَرَبُّك يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ . مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ . وَرَبُّك يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ . وَهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [القصص:68] فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى , وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}[الأحزاب: 36] )

- بعد التسليم نتضرع إلى الله بدعاء الاستخارة بخشوع.

- يسن أن نبدأ الدعاء و ننهيه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

- نستشير الصالحين من المقربين، ونكرر الاستخارة مرات ثلاث؛ فنستكمل نقصنا في طلب استخارة الله ومشورة العباد.

ماذا لو منعك شيء عن الاستخارة؟

يجوز لمن حبسه حابس عن الصلاة لعذر شرعي (وخُصوصاً في ذلك النّساء)، أو أنّه أتاه أمرٌ طارئٌ لم يُمهله حتّى يُصلي فإنّه يدعو بدعاء الاستخارة على عَجَل، دون صلاة تسبقها، فقد ثَبَتَ عنه - عليه الصّلاة والسّلام - أنَّه كان يستخير لكي شيءٍ حتّى في أقلّ الأمور شأناً.
 

هل يمكن تقديم دعاء الاستخارة قبل التسليم؟

يرى ابن تيمية أنه يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ, وَغَيْرِهَا : قَبْلَ السَّلامِ, وَبَعْدَهُ , وَالدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلامِ أَفْضَلُ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ دُعَائِهِ قَبْلَ السَّلامِ [الفتاوى الكبرى 2/265]

وقال علماء بجواز تقديم دعاء الاستخارة خلال ركعتي السنة، في مواضع الدعاء كالسجود مثلا،مع بقاء تأخيره بعد التسليم أفضل. [الموسوعة الفقهية ج3 ص241]

هل لصلاة الاستخارة وقت؟

ليس لصلاة الاستخارةِ وقتٌ مخصوص، فإنّه يجوز للمسلم متى أهمَّهُ أمرٌ وأراد أن يطلب الخِيَرة من الله لذلك الأمر أن يتوجَّه إليه بالصّلاة ويسأل حاجته، إلا أنَّ ذلك الجواز محصورٌ بأوقات الاستحباب والإباحة، والبعد عن الأوقات التي تُكره فيها الصَّلاة، وهي ما بعد أداء صلاة الفجر إلى طلوع الشّمس، وفترة توسُّط الشّمس في السّماء (فترة الزّوال إلى الظّهر)، وما بعد الانتهاء من صلاة العصر إلى ما بعد الغروب، فإن ابتعد عن تلك الأوقات جاز لها أن يُصلِّيها متى أراد. [فتوى الاستخارة إسلام ويب 38863]

ولا يوجد مدة محدّدة لصلاة الاستخارة ، ويجوز تكرار الصلاة أكثر مرة ، وليست محدّدة بعدد من المرات ، وللمصلي أن يدعو قبل السلام ، أو بعد السلام [فتوى محمد صالح المنجد 5882 بإسلام سؤال وجواب]

كيف تعرف نتائج الاستخارة؟

من أهم علامات القبول في الاستخارة انشراح الصدر ، وشرح الصدر : عبارة عن ميل الإنسان وحبه للشيء من غير هوى للنفس , أو ميل مصحوب بغرض.

لكن انشراح الصدر ليس مقياسا وحده؛ لأنه قد يرتبط بهوى النفس قبل الاستخارة، ولهذا قال العز بن عبدالسلام "يفعل ما اتفق" أي يستمر في عزمه حتى يرى توفيقا أو صدا عن هذا الطريق.

وكمثال: لو كان الرجل ينوي التزوج من فتاة، وقد استخار الله بصدق، واستشار الصالحين، فعليه أن يتقدم إليها، فإن رفض أبوها تزويجها أو وجد عوائق حالت دون تمام نيته، فعليه بالبحث عن غيرها من ذوات الدين، وأن يعلم أن هذا مراد الله له ويرضى بذلك. [فتوى إسلام ويب: 120237]

وعليك أن تعلم أن الاستخارة كدعاء تحتمل إجابتها أحد الأمور الثّلاثة، وهي ما ذكره النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في قوله:« مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ »[ الترمذي 3573]

هل ترتبط الاستخارة بالرؤى في المنام؟

ليس شرطاً أن يرى السّائل مناماً أو رؤيا خاصّة حول ما استخار من أجله، بل عليه أن يستخير ثمّ يتوكلّ على الله ويمضي في أمره، فإنّ تيسّر أمره كان في الخير من عند الله عزّ وجلّ، وإن لم يتيسّر صرفه الله عزّ وجلّ عنه، واختار بدلاً منه. [فتاوى إسلام ويب 75167]

حال الصالحين مع الاستخارة

قال عبد الله بن عمر : " إن الرجل ليستخير الله فيختار له ، فيسخط على ربه ، فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خار له ".

وقال الشافعي بعدما عرضت عليه مسألة في الزكاة: لو عرفت إسناده بالصحة لقلت به. وهذا مما أستخير الله فيه [(تمام المنة: الألباني: ص134]

وقال عمر بن الخطاب : لا أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره ، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره . وقد استخار الله تعالى شهرا في تدوين الحديث من عدمه

ظل عبدالرحمن بن عوف يستشير أصحابه فيمن يتولى الخلافة بعد عمر بن الخطاب، فأشاروا إليه بعثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم استخار الله أن يدله ويرشده، حتى وصل للقناعة ذاتها [البيعة في الإسلام لأحمد محمود 205 نقلا عن ابن كثير والطبري]

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما ندم من استخار الخالق ، وشاور المخلوقين ، وثبت في أمره .

 

 



كلمات دليلية: