والجواب: أن أقول وبالله المستعان: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. لا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أمته أن تصوم لرؤية الهلال، وتفطر لرؤيته. هكذا جاءت الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه صلى الله عليه وسلم وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون فإذا ثبتت رؤية الهلال رؤية شرعية في بلد ما وجب على بقية البلاد العمل بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: صوموا لرؤيته (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 79) وأفطروا لرؤيته لم يقصد أهل المدينة فقط وإنما قصد عموم المسلمين، وبناء على ذلك فإذا ثبتت رؤيته في الحجاز وجب على من بلغهم الخبر في سائر الأقطار أن يعتمدها؛ لأنها دولة إسلامية محكمة للشريعة فيعمل بإثباتها عملا بعموم الأحاديث وإطلاقها، وهكذا الحكم في بقية الدول التي تحكم الشريعة، ولا يخفى حال الدول اليوم وإعراضها عن تحكيم الشريعة إلا من شاء الله، ونسأل الله أن يهديهم للتمسك بالشريعة وتحكيمها، أما المطالع فلا شك في اختلافها في نفسها، أما اعتبارها من حيث الحكم فهو محل اختلاف بين العلماء، والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوما وإفطارا وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتا شرعيا في أي بلد ما؛ لعموم الأحاديث كما تقدم، وهو قول جمع كثير من أهل العلم، وحيث قيل باعتبار اختلاف المطالع فالظاهر أنه لا يقع بأكثر من يوم، ولا يجوز للمسلم أن يصوم أقل من 29 يوما؛ لأن الشهر في الشرع المطهر لا ينقص عن 29 يوما ولا يزيد على 30 يوما، وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نقل به، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع، ولكن هناك مسألة هامة واقعية وهي ما إذا ثبت الهلال في (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 80) الحجاز ليلة الاثنين مثلا، ولم يثبت في السودان إلا ليلة الثلاثاء ولم تعمل حكومة السودان بما ثبت في الحجاز ؟ فماذا يفعله من في السودان من المسلمين هل يتابع حكومته أو يعتمد ما ثبت في الحجاز . هذه مسألة عظيمة وقد ورد علي فيها أسئلة من بعض البلاد المجاورة وتذاكرت فيها مع جماعة من العلماء وإلى حين التاريخ لم يطمئن القلب إلى الحكم فيها، وأسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالتوفيق لمعرفة الحق واتباعه ولا سيما في مواضع الاختلاف والاشتباه، ولا مانع من مراجعتكم لنا في هذه المسألة بخصوصها في وقت آخر. وأما كبر الأهلة وصغرها وارتفاعها وانخفاضها فليس عليه اعتبار ولا يتعلق به حكم؛ لأن الشرع المطهر لم يعتبر ذلك فيما نعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإن غم عليكم فاقدروا له فمعناه على أصح القولين فعدوا له ثلاثين، كما جاء ذلك مصرحا به في رواية مسلم في صحيحه بلفظ: فاقدروا له ثلاثين وفي لفظ للبخاري : فأكملوا العدة ثلاثين والأحاديث يفسر بعضها بعضا، وفي رواية للبخاري من حديث (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 81) أبي هريرة : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما وأما قول من قال: فاقدروا له أي ضيقوا عليه واجعلوه تسعا وعشرين فهو قول غير صحيح والأحاديث الصحيحة تبطله، والله أعلم. وأما الاعتماد على الشهادة التي تأتي من القاضي الشرعي بالسودان وقد يجوز أن يكون الشاهد فاسقا أو كافرا لتركه الصلاة أو دعائه الأموات أو الاستغاثة بهم ونحو ذلك. فالجواب: أن يقال إن شرط قبول الشهادة في هذا وغيره أن يكون الشاهد مسلما عدلا، فإذا كان القاضي صاحب توحيد وسنة ويهتم بالشهادة ويعتني بالشهود ولا يقبل إلا العدول وجب اعتماد ما يرد منه، أما إذا كان بخلاف ذلك فليس على إثباته عمل، وإنما يعتمد في مثل هذا على قول النبي صلى الله عليه وسلم: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون وفي لفظ: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس وكلها أحاديث صحيحة. فإذا صام المسلمون الذين أنت بينهم صمت (الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 82) معهم، وإذا أفطروا أفطرت معهم والحمد لله على تيسيره وتسهيله، والسر في ذلك والله أعلم كراهة الشريعة للاختلاف، وترغيبها في الاتفاق والائتلاف. جعلني الله وإياكم من أهلها ومن الله على المسلمين جميعا بالتمسك بها وتحكيمها والتحاكم إليها إنه سميع قريب. نائب رئيس الجامعة الإسلامية