بيان حكم صيام رمضان

س: سماحة الشيخ عبد العزيز، لعله من المناسب أن تتفضلوا بالحديث عن الركن الرابع من أركان الإسلام؛ صيام رمضان، تحدثونا - لو تكرمتم - عن هذا الركن وعن صيامه، ثم هناك بعض الأسئلة سيطرحها البرنامج لو تكرمتم .

ج: لقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت وصيام رمضان ركن عظيم من أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله على عباده في السنة الثانية من الهجرة، وكان سبحانه وتعالى فرضه مخيرا من شاء صام وهو أفضل، ومن شاء أطعم (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 10) عن كل يوم مسكينا وأفطر، كما قال عز وجل: ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183) أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون . فعلى هذه الآية كان المسلمون من شاء أطعم مسكينا فأكثر وأفطر، ومن شاء صام ، والصوم أفضل؛ ولهذا قال: وأن تصوموا خير . ثم فرض الله عليهم الصيام - سبحانه وتعالى - في قوله: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر . فقوله سبحانه: فمن شهد منكم الشهر فليصمه يعني من حضره صحيحا مقيما وجب عليه الصوم، ونسخ التخيير، ومن كان مريضا لا يستطيع الصوم يشق عليه الصوم، أو على سفر فله الفطر ؛ ولهذا قال: فعدة من أيام أخر . يعني: فأفطر فعليه عدة من أيام أخر. وهذا من فضله سبحانه وإحسانه، وتيسيره على عباده ؛ ولهذا قال (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 11) بعده: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة . يعني في قضاء الأيام: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون . فإذا صام بعد ذلك فأكمل العدة بعد برئه من مرضه، وبعد رجوعه من سفره. وقال عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والمعنى: من صامه إيمانا بشرع الله له، وتصديقا بذلك واحتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى، لا مجرد تقليد للناس، ولا رياء، بل يصومه احتسابا، يرجو ما عند الله سبحانه وتعالى، ويؤمن بأنه فرض عليه، شرعه الله له، فهذا يكون صومه فيه خير عظيم، ومن أسباب المغفرة، وهكذا قيام رمضان عن إيمان واحتساب يكون من أسباب المغفرة، أما من (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 12) صامه رياء أو تقليدا للناس أو مجاملة أو ما أشبه ذلك فليس له هذا الفضل، ثم الواجب على المؤمن أن يصونه، وعلى المؤمنة كذلك؛ أن تصون هذا الصيام عن المعاصي، فإن المعاصي تجرحه وتضعف ثوابه، فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة أن يصونوا هذا الصيام من سائر المعاصي؛ من الغيبة والنميمة ، وأكل الحرام، وسائر المعاصي، كل واحد يحاسب نفسه، فيتقي الله في كل شيء؛ حتى يبتعد عما يجرح صومه، وينقص ثوابه، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري في صحيحه . وقال عليه الصلاة والسلام: ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث قال بعض السلف: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. فالصائم قد فعل عبادة عظيمة، وتلبس بعبادة عظيمة، وهي سر بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، فيجب عليه أن يصونها ويحفظها من كل ما يجرحها وينقص ثوابها؛ (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 13) حتى يؤديها كاملة، وهكذا يقول صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . فليلة القدر ليلة عظيمة في العشر الأخيرة من رمضان، شأنها عظيم، قال فيها الرب عز وجل: إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4) سلام هي حتى مطلع الفجر ، فهذه الليلة ليلة عظيمة، العمل فيها والاجتهاد فيها في أنواع الخير خير من العمل في ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم، وقال فيها سبحانه: حم (1) والكتاب المبين (2) إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم (4) أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ، فهي ليلة عظيمة تقدر فيها حوادث السنة، فينبغي من المؤمن أن يغتنمها أيضا إذا بلغه الله العشر الأخيرة، وأن يجتهد في هذه العشر بأنواع العبادة؛ من صلاة وذكر وقراءة وصدقات وغير ذلك؛ حتى يفوز بهذه الليلة، ولا شك أن من قام العشر الأخيرة محتسبا فإنه يدركها ولا بد؛ لأنها واحدة منها، فعلينا جميعا معشر المسلمين من ذكور وإناث أن نعرف لهذا الشهر (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 14) قدره، وأن نصون صيامنا وقيامنا عما يجرحه من سائر المعاصي، وأن نستكثر فيه من أنواع الخير ، هذا زمن المسابقة، هذا ميدان السباق في الخير، فينبغي للمؤمن أن يسابق وينافس في هذا الشهر الكريم بأنواع الذكر والاستكثار من قراءة القرآن الكريم، بالتدبر والتعقل ليلا ونهارا، والإكثار من الصدقة وصلة الرحم، وبر الوالدين وكثرة الاستغفار والدعاء، وعيادة المريض إلى غير هذا من وجوه الخير، رزقنا الله وإياكم الاستقامة، وبلغنا وإياكم صيامه وقيامه. الكلمة الختامية في هذا اللقاء الوصية المكررة؛ بسؤال الله عز وجل أن يبلغ كل مسلم هذا الشهر الكريم، وأن يسأل ربه أن يبلغه إياه، وأن يعينه على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، وكم لله من إنسان لا يبلغه وإن كان لم يبق إلا الشيء القليل ، فوصيتي لكل مؤمن ولكل مؤمنة الضراعة إلى الله عز وجل، ودعاؤه بصدق وإخلاص أن يبلغه هذا الشهر الكريم، وأن يعينه على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، والعناية بالتوبة وتجديد التوبة قبل دخول هذا الشهر الكريم؛ حتى يدخل عليك شهر رمضان وأنت في سلامة من ذنوبك، قد محاها الله عنك بالتوبة الصادقة ثم العزم الصادق، أن تستقيم في رمضان، وأن تبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، هكذا ينبغي للمؤمن؛ أن يعزم عزما صادقا ، وأن يجتهد في رمضان، وأن يصون جوارحه عن محارم الله، وأن (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 15) يستكثر من الخير في الليل والنهار، ثم العزم الصادق ألا يعود للذنوب بعد رمضان، بل يصمم على أنه يستمر في الخير في رمضان وفي غيره، فهو لا يدري متى يهجم عليه الأجل، فليصمم على الخير والعمل الصالح؛ لعله يوفق فيستقيم إلى أن ينزل به الأجل، رزق الله الجميع التوفيق والهداية ، وبلغ الله المسلمين جميعا في كل مكان صيام هذا الشهر العظيم وقيامه، ورزقهم فيه الإيمان والاحتساب والصدق والإخلاص والمسارعة إلى كل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


دار النشر: فتاوى نور على الدرب


كلمات دليلية: