رد بعض الشبه حول جواز إهداء القرآن للميت

س : في رد لسماحتكم مجيبين عن السؤال الآتي : هل تجوز تلاوة القرآن على المتوفى أو إهداء ثوابه له ؟ علمت من ردكم أن هناك خلافا بين العلماء في هذا الأمر ، وكما قلتم : إنه ليس هناك دليل من الشارع (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 210)  على هذه المسألة أرجو من فضيلة مولانا المزيد من الإيضاح في تعليقه على هذه الملاحظات ، إذا جاز لنا أن نحج عن المتوفى وأن نتصدق له ألا يعني هذا أن من يحج عن المتوفى عليه أن يؤدي مناسك الحج جميعها المفروض منها والمسنون ؟ فإذا قام مثلا بصلاة ركعتين عند المقام والسنة ألا يهدي ثواب هذه الصلاة للمتوفى ، وبالتالي ألا يكون ما قرأه من القرآن في صلاته كان مهداة للمتوفى كسائر أعمال الحج ، فضيلة مولانا الشيخ ، الدعاء للمتوفى جائز ، أليس الدعاء مخ العبادة ، وإذا كان القرآن رحمة وشفاء للمؤمنين ، ألا يكون المتوفى أحوج لهذه الرحمة ، وأن القرآن يحتوي على الكثير من آيات الدعاء ، والخلاصة إذا كانت تلاوة القرآن لا تجوز على المتوفى هذا يعني ألا نتلو الآيات الشاملة على الترحم له ؟ أرجو إلقاء المزيد من الضوء على هذا الدرب ، وجزاكم الله عن الأحياء والأموات خيرا

ج : إني أشكر للسائل عنايته واهتمامه بهذه الأمور الشرعية العظيمة ، وأسأل الله له ولنا المزيد من كل خير ، أيها الأخ السائل : إن أمور العبادات ليست محل قياس ، والعبادات توقيفية كما قال أهل العلم ، لا يقال فيها بالرأي المجرد ، والقياس من عبادة على عبادة ولكن يتلقى أمر (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 211) العبادة عن الشارع عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولا نقيس شيئا على شيء بدون حجة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحج عن الميت ، وأذن فيه ، وعن العاجز أيضا كالشيخ الكبير العاجز يحج عنه ، والصلاة التي يصليها الطائف تبعا للطواف يكون ثوابها وثواب الطواف للميت من غير حاجة إلى أن يهدي الصلاة أو يهدي القراءة ، لأنه صلى تبعا للطواف ، وهذه الصلاة جازت تبعا لا استقلالا ، ولا يشرع لأحد أن يصلي عن ميت أو يصوم عنه تنفلا ، لأن هذا لم يرد في الشرع والعبادات مثل ما تقدم توقيفية ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ويقول الله عز وجل في ذلك ما هو أعم من هذا : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ويقول عليه الصلاة والسلام : من أحدث في أمرنا هذا -يعني في ديننا وشرعنا - ما ليس منه فهو رد يعني : فهو مردود . فالواجب على أهل الإسلام الاتباع لما جاء به نبيهم عليه الصلاة والسلام ، وليس لهم أن يبتدعوا فالحج بأعماله الواجبة والمشروعة جاءت من الشارع ، فإذا حج عن الميت أو عن العاجز ، وصار الآجر للمحجوج عنه عن النفل (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 212) والفرض جميعا حسب ما جاء عن الشارع ، ولا نقيس على هذا فنقول : كما جازت الصلاة تبع الطواف للميت المحجوج عنه لنا أن نصلي عن الموتى ونصوم عنهم ، لا ، هذا قياس غير مناسب ، فالحج عبادة مستقلة ، فلا يقاس عليها أن نصوم عنه نافلة أو نصلي عنه نافلة ، بل علينا أن نتبع ونقف عند الشرع ، وهكذا التلاوة التي يقرؤها الإنسان في الصلاة عن الميت ، والتلاوة في ركعتي الطواف ، والتلاوة في الطواف ، كل هذه تبع فلا يقاس عليها ، التلاوة المستقلة ، كونه يقرأ على الميت ويجعل الثواب للميت ، أو يقرأ على القبر أو يقرأ خارج ذلك في أي مكان وينوي للميت هذا يحتاج إلى دليل ، وإن كان جملة من أهل العلم ذهبوا إلى جواز ذلك وأنه لا بأس به ، وقاسوه على الحج ، والدعاء والصدقة ، لكن مثل ما تقدم القاعدة الشرعية عدم القياس ، وأن علينا أن نتبع ولا نخترع ، ولا نبتدع في ديننا ما لم يأذن به الله ، وإذا فتح هذا الباب دخل الناس في البدع ، ولم يقفوا عند حد ، فلهذا قلت سابقا وأقول الآن : إن الأرجح عدم تثويب التلاوة للميت ، وعدم الصلاة عنه ، وعدم الصوم عنه إلا إذا كان عليه دين صوم واجب كرمضان أو من كفارة أو نذر فلا مانع من الصوم عنه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من مات وعليه صيام صام عنه وليه وسئل غير مرة عمن مات وهو عليه صيام ، فأفتى المستفتي (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 213) أن يصوم عن ميته ، هكذا نقول مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من مات وهو عليه صيام يصام عنه ، هذا مشروع بأمر النبي عليه الصلاة والسلام حتى رمضان على الصحيح ، إذا مات وهو عليه صيام ولم يقضه من دون عذر شرع لأوليائه أن يصوموا عنه كما يصومون عنه الكفارات والنذور ، وبعض أهل العلم خص ذلك بالنذر ، والصواب أنه لا يخص النذر بل يعم ، لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه هكذا قال عليه الصلاة والسلام : من مات - هذا عموم - وعليه صيام صام عنه وليه ، فيعم من مات وعليه صوم رمضان أو صوم كفارة أو صوم نذر ، ومن زعم تخصيص ذلك بالنذر فلا دليل عليه ، وليس معه حجة يحسن الاعتماد عليها ، ولم يقل عليه الصلاة والسلام من مات وعليه صلاة صلى عنه وليه ، ولم يقل : من مات فليقرأ عنه وليه . لكن الدعاء نعم شرع لنا أن ندعو للأموات ونصلي وندعو لهم ، والله يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم مثنيا على عباده الصالحين بقوله : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان فالدعاء أمر مطلوب للميت والحي جميعا ، ولهذا شرع الله صلاة الجنازة لما فيها من (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 214) الدعاء للميت ، فأرجو يا أخي ألا يشتبه عليك الأمر ، وأن تطمئن إلى أن السنة أن تلزم ما جاءت به الشريعة ، وألا تحيد عنه ، وألا تزيد عليه في العبادات لأنها توقيفية ، والله ولي التوفيق . كذلك ينبغي ألا يستعمل كلمة مولانا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ولا يقل العبد لسيده مولاي فإن مولاكم الله هكذا روى مسلم في الصحيح ، فينبغي للمؤمن تركها ، وقد أجازها بعض أهل العلم واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حق العبد : وليقل سيدي ومولاي قالوا : هذا يدل على جوازها كما جازت في حق العبد يعني يقولها لسيده ، فالأولى في هذا ألا نقيس على العبد ، بل هذا خاص بالعبد يقوله لسيده ، أما غيره فينبغي له أن يتأدب بالأدب الشرعي ، فيقول : يا فلان ، يا أخي ، يا أبا فلان ، يا شيخ فلان ، ويكفي هذا ، ليحتاط لدينه ويبتعد عن الشيء الذي فيه شبهة .


دار النشر: فتاوى نور على الدرب


كلمات دليلية: