ج: إن وصيتي لكل مسلم ولكل حاج أن يعني بحجه وعباداته من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك، المؤمن من شأنه أن يهتم بدينه، وأن يحرص على دينه حتى يؤدي ما أوجب الله عليه على بصيرة، وحتى يحذر ما حرم الله عليه على بصيرة، والحجاج جاؤوا من أقطار الأرض (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 379) من كل فج عميق يريدون رحمة الله وفضله، وعتقه لهم من النار، ويريدون أداء ما أوجب الله عليهم من مناسك الحج والعمرة، الواجب عليهم أن يهتموا بذلك وأن يعتنوا بذلك، وأن يسألوا عما أشكل عليهم أهل العلم، وهم بحمد الله موجودون، ومن أشكل عليه سأل عنهم في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد عينت الحكومة السعودية وفقها الله علماء في المسجد الحرام والمسجد النبوي وفي المشاعر يبصرون الناس ويعلمونهم مناسكهم، ويرشدونهم إلى كا ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وهم يقومون بالوعظ والتذكير والتدريس والإفتاء، فعلى الحاج أن يسأل من وجد منهم في المسجد الحرام وفي المشاعر في المسجد النبوي، وهكذا يسأل من يعرف من العلماء من جماعته من رفقته، ومن غيرهم من علماء الشريعة المعروفين بالاستقامة والغيرة لله والعلم بشريعته، يسألهم من أي جنس كانوا، من الشام، من العراق، من مصر من أفريقيا، من أي مكان، ما دام يعرفهم بكل خير، ويعرفهم بالعلم والفضل، والغيرة لله والبصيرة في دينهم، حتى يفقهوه، وحتى يعلموه ما يحتاج إليه في حجه وعمرته وصلاته وسفره وإقامته وغير ذلك. ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من يرد الله به (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 380) خيرا يفقهه في الدين متفق على صحته. هذا يدلنا على أن من علامات الخير ومن علامات التوفيق للعبد أن يتفقه في دين الله، وأن يتبصر في دين الله، كما يدل على أن من علامات الخذلان وعدم التوفيق الجهل بالدين والإعراض عن الدين والغفلة، فعليك يا أخي أيها الحاج، وعليك أيتها الأخت في الله الحاجة، عليكما جميعا العناية بالحج، والعناية بجميع أمور الدين في مكة وفي المدينة، وفي بلادكم وفي كل مكان، الواجب على المكلف من الرجال والنساء العناية والتبصر في الدين، لماذا؟ لأننا مخلوقون لنعبد الله، يقول الله سبحانه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون والله أرسل الرسل لهذا الأمر؛ ليبصروا الناس ويعلموهم، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، فهو أفضل الرسل، وهو إمامهم، وهو خاتمهم، وهو نصيبنا منهم عليه الصلاة والسلام، فالواجب علينا جميعا أن نتعلم ديننا من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا عليه الصلاة والسلام حتى نعلم العبادة التي خلقنا لها، ما هي العبادة التي خلقنا لها ، نتعلمها من (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 381) كلام ربنا، ومن كلام رسوله، فما أمر الله به ورسوله فهو العبادة، وما نهى عنه الله ورسوله فهو المنكر الذي يترك، والطريق إلى هذا العلم والعلماء الشرعيون، العلماء الفقهاء في دين الله، المعروفون بالخير والاستقامة هم الواسطة بين العامة وبين كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هم الذين يعلمون الناس دينهم، فمن كان عنده علم رجع إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتبصر منهما وعلم الناس، ومن لم يكن له علم من عامة المسلمين من الحجاج وغيرهم عليهم أن يسألوا أهل العلم، والله يقول سبحانه: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فوصيتي للحجاج جميعا من الرجال والنساء أن يتقوا الله وأن يحرصوا غاية الحرص على إكمال حجهم وعلى العناية به، وعلى كل ما أوجب الله عليهم من صلاة وصوم، وحق الزوج وحق الزوجة، وحق الأقارب، وحق الوالدين، وحق الجار، إلى غير ذلك. المؤمن يتبصر في دينه، والمؤمنة كذلك وبالأخص في الحج وقت أداء الحج، يخص ذلك بمزيد العناية حتى يؤدي حجه على بصيرة، والله سبحانه يقول: (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 382) الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون ياأولي الألباب ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه يعني رجع مغفورا له إذا أدى الحج كما ينبغي. والرفث: الجماع ودواعيه من قبلة ومس بشهوة ونحو ذلك، فالحاج لا يجوز له جماع زوجته، وليس لها أن تمكنه من ذلك حتى يحل من حجه، وحتى يحل التحلل الثاني الكامل برمي الجمار يوم العيد، وبالحلق أوالتقصير وبالطواف والسعي، هذا هو التحلل الكامل، وبعده يحل للرجل جماع أهله، وفي العمرة ليس له جماع ولا وسائل ذلك من القبلة والملامسة بشهوة، ليس له ذلك حتى يطوف كل منهما، وحتى يسعى كل منهما، وحتى يحلق الرجل أو يقصر، وحتى تقصر المرأة؛ لأنه ليس لها إلا التقصير، فإذا طاف الرجل وسعى وحلق أو قصر حل من عمرته، وإذا طافت وسعت وقصرت من رأسها حلت من عمرتها، فبعد ذلك يحل لهما الجماع (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 383) الذي أباح الله من الرفث مثل ما تقدم، دواعي الجماع، كونه يلمسها بشهوة، أو يداعبها المداعبة التي تجر إلى الجماع، هذا محرم لأنه من الرفث. والفسوق: المعاصي جميعها، كل المعاصي تسمى فسوقا كالسب والشتم للناس، وضربهم وإيذائهم، والغيبة والنميمة، والسرقة سرقة أموال الناس أو نهبها، كل هذا من الفسوق، فيجب على الحاج أن يحذر ذلك، وهكذا غير الحاج يجب الحذر من هذه المعاصي، ولكن الحاج بصفة خاصة يجب أن يحذر ذلك فلا يؤذي أحدا لا عند الطواف ولا في السعي، ولا في أي مكان لا بيده ولا برجله ولا بكلامه، ولا يأخذ مال أحد إلا بحق، ولا يغتاب الناس ولا ينم عن الناس، ولا يشهد بالزور ولا يكذب، ولا يفعل شيئا مما حرم الله، حتى يكمل حجه، حتى يتممه، وحتى يرجع مغفورا له بإذن الله. والجدال: معناه المراء في الدين بغير حق، ولا جدال في الحج: يعني لا مراء في غير الحق، يعني يجادل بالباطل مع إخوانه، أو مع آخرين غير جماعته، لا يجادل، أما بيان الحق بالدليل وبالتي هي أحسن فهذا لا بأس به؛ لأن الله قال في كتابه العظيم: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن (الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 384) فجادل بالتي هي أحسن في بيان الحق، بيان مشاعر الحج، بيان ما أشكل على الناس لإزالة الشبهة، هذا لا بأس، أما الجدال لإظهار جودته أو لإظهار فهمه، أو ليغلب الناس، أو لشيء من الأغراض الأخرى ليس لقصد الخير فهذا هو المذموم، وهو الجدال الذي نهى الله عنه، أما الجدال بالتي هي أحسن في بيان الحق وإرشاد الجاهل وتعليمه، وإزالة الشبهة وكشفها فهذا مأمور به، وليس داخلا في النهي، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.